كلمة العدد

 

أسلوب الغرب في محاربته لنا نحن المسلمين

أسلوب ظلّ مُطَّرِدًا من قبل الأعداء مع الإسلام وأهله

 

 

  

 

  

 

 

 


       الأعداءُ لايحاربون الإسلام وأهلَه بأسلوب واحد ، وعلى جبهة واحدة ، وبنوع من الأسلحة واحد ؛ وإنما يحاربونه وإيّاهم بعدد من الأساليب، وعلى جبهات كثيرة ، وبكلّ نوع من الأسلحة يُتَاحُ لهم : تقليديّ وغير تقليديّ ، وقديم وحديث . وما داموا تلاميذَ الشياطين ، يَسْتَوْحُونَهم ، ويُنَفِّذُون إملاءاتِهم ، ويعملون بتوصياتهِهم ، فإنهم يَأْتَسُونَ بأُسْوَتِهم في محاولةٍ دائمة للقعود للمسلمين بصراط الله المستقيم ، وإتيانهم إيّاهم ، من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، والحيلولة دونهم ودون شكرهم لله على نعمه الكثيرة عليهم ؛ بما فيها نعمةُ الإيمان به تعالى . وقد صَدَقَ تعالى إذ قال : >إِنَّ الشَّيْطـٰـنَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِيْنًا< (الإسراء/53) .

       ومن هنا نرى تلاميذَ الشيطان المحاربين للإسلام يسلكون كلَّ طريق يُؤْذِي المسلمين جسديًّا ونفسيًّا ، ويُدَمِّرهم دينيًّا ودنيويًّا ، ويَضُرُّهم ماديًّا ومعنويًّا ، ويُفسدهم خلقيًّا وعقديًّا، ويستنزفهم فكريًّا وعقليًّا ، و يستنفدهم مُثُلِيًّا وقِيَمِيًّا، ويُفَلِّسهم ثقافيًّا وحضاريًّا، ويُعْدِمُهم تاريخيًّا واجتماعيًّا ، ويُفْقِدُهم كلَّ رصيد من الإنسانية ، ويُحَوِّلُهم مثلَهم – الأعداء – بهائم لا فرقَ بينهم وبينها إلاّ بصورة اللحم والدم .

       وهو أسلوب مُطَّرِد من قبل الأعداء في محاربة الحق الأبلج : الإسلام الذي صمد دائمًا في وجه الباطل وأفاعليه وعواصفه التي جعلت كثيرًا من السذج الأغرار يظنون أن نوره، يكاد ينطفئ بهذه الرياح العاتية . ولكنه لم يحدث إلاّ ما شاءه الله من إتمام نوره ، وإعلاء كلمته ، وإظهار دينه، ونصر رُسُله والذين آمنوا . وصدق تعالى : >وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ< (الروم/47) . ولكن ذلك يحتاج إلى صبر من المؤمنين لايَنْفَدُ .

       والطرق التي يجرِّبها الأعداء اليوم ، تتفق وطرقَ الأعداء في الماضي ، وإنما تبدو بعضُ الطرق جديدة علينا من جرّاء تجدد الظروف وتغير الأيام والليالي ومعطيات العصر؛ فهي جديدة في الإطار، وليست جديدة في الشعار ، جديدة في نمطية التنفيذ ، وليست جديدة في المنطلق والمنهج .

       فالغرب اليوم يجرب معنا في الأغلب الطرق الآتية :

       1- محاولة إيجاد إسلام أمريكي ، فرنسي، بريطاني ، ألماني ، ... – وطنيًّا – صهيوني ، صليبي ، وثني ، علماني ، شيوعي ، اشتراكي ، إلحادي ، ... – دينيًّا واتجاهيًّا – والدعوة إلى ذلك بقوة وإصرار يدعوان للاستغراب والتعجب. ويطلق على كل مُتَبَنٍّ له ألقابًا ونعوتًا جميلة : من أنه مسلم معتدل ، مسلم طيب ، مسلم متفتح ، مسلم متنوّر ، مسلم عصريّ يعرف متطلبات الساعة ، ومقتضيات العصر، وآداب الزمان ، ويصلح أن يتناغم مع كل بيئة ، وينسجم مع كل من المستجدات .

       2- محاولة زرع الثقافة الغربية في كل مجتمع – ولاسيّما المجتمع الإسلامي – : من الوقاحة، والإباحية ، والشذوذ الجنسي ، والزواج المثلي ، وإقامة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعيّ ، والسفور، والفجور، والأغاني الخليعة ، والتصرفات المدغدغة للغرائز الجنسية وإشباعها بكل طريق تقليدي وحديث ، والحياة المتحررة عن كل قيد ، والخروج على القيم الإنسانية ، والطغيان على المثل الآدمية ، وتبني البهيميّة في العادات والميول ، والاختيار والرفض، وهدم التصور الإسلامي للأسرة ، والتعامل مع الأبوين والجدين ، والحدتين والعجائز والشيوخ على أساس فكرة الانتفاع من الشي ثم نبذه في القمامة. وما إلى ذلك من معطيات الثقافة الغربية ومكتسبات الحضارة الحديثة .

       3- الوقوف بجانب كل مُتَسَمٍّ باسم إسلاميّ، محسوب على الإسلام ، يخرج على مبادئ الإسلام : من الكتّاب والمؤلفين ، والقصاصين والروائيين ، والممثلين والفنانين ، وعامة المتحررين المتغربين .

       ولا يتوقف الغرب لدى الوقوف بجانبه ، بل يتخذ حولَه كل ما يمكن من التأمينات والتحصينات ، ويُعْمِلُ كلَّ وسيلة لزيادته احترامًا وإكرامًا ، ويجعل الحفاظ عليه ، وإيواءه لديه ، ومنح الجنسيّة المدنية في بلاده ، ومخالفة كل من يتعرض له بنوع من السوء ؛ بل ومجرد الانتقاد ، قضيةَ وقاره الوطني واعتباره القومي ، وقضية حقوق الإنسان، والحريّة البشريّة ، وما إلى ذلك من العناوين الجذّابة .

       وذلك لأن انتقادات هذا الخارج على مبادئ الإسلام ، يُعْجِبُ الغربَ ، ويقضي حاجة في نفسه ، ويُقِرّ عينيه ، ويُثْلِج صدره ؛ حيث يعتبر انتقاداته طعنًا في الإسلام من قبل أحد >أبنائه< الذي يعرف >جميع مساويه< فيدل عليها >على بصيرة وهدى< ويكشف اللثام عنها للعالمين ليجتنبوا الوقوع في شركه!!.

       4- يحبّذ كل >مسلم< بالإسلام >يتحرّر< عن ربقة الإسلام ، ويعلن الخروج عليه ، ويُشَنِّع على آدابه وحدوده وشرائعه : من الحجاب ، والاحتشام ، والامتناع عن الاختلاط الحرام ، والتعليم المختلط ، والاجتماع المختلط بين الجنسين، في السوق والشارع ، والمنتزه والمكتب، والموقف والمحطة والمطار، والأمكنة العامة الأخرى الكثيرة .

       5- ويُقَبِّحُ كلَّ مسلم ملتزم بالإسلام ، وبشعاراته وشاراته وشرائعة من الصلاة والصيام، واللحية والزي الذي يتخذه العلماء والصالحون في الأغلب .

       6- ويدعو على الأقل إلى تحجيم الحصص الدراسية للمواد الدينية في المعاهد والجامعات الإسلامية في داخل العالمين الإسلامي والعربي ، ويشجِّع أن يلغى تدريس هذه المواد كليًّا ؛ إيمانًا منه أنّه يخرِّج جيلاً مسلمًا متزمتًا أصوليًّا متشددًا متطرفًا إرهابيًّا ، ناقمًا من جميع الدول والأمم غير الإسلامية ، والثقافات والحضارات غير الإسلامية.

       7- وبالتالي فيشجِّع التعليم العصري غير الإسلامي ، لا رغبةً في النهوض بالمسلمين ماديًّا وعصريًّا ، وعلميًّا وتكنولوجيًّا ؛ وإنما رغبةً في الابتعاد بهم عن مسارهم الديني ، وعن خطّهم الإسلاميّ ، حتى يعودوا جاهلين بأحكام دينهم، فيسهل الانحراف بهم عن الإسلام ، واصطيادهم من قبل غيره من الديانات الضالة والدعوات الهدّامة.

       8- بينما يفرض الحظر على كل جمعية إسلامية خيرية ، حتى في داخل العالمين الإسلامي والعربي ، باتهامه إيّاها بتمويل الإرهاب ؛ لأنّها تُدَعِّم المشاريع الإسلامية . وتدعيمُها لديه – الغرب – تدعيمٌ للإرهاب ، ومادامت إسلاميّة يقوم بإدارتها مسلمون ؛ فهي إرهابية بالفعل أو بالقوة ؛ لأن كلّ عمل عامّ يقوم به المسلمون يستشعر الغربُ من كونه إرهابيًّا أو مُؤَدِّيًا للإرهاب ؛ لأنّه – العمل العام الذي يقوم به المسلمون – في >أيدٍ غير مأمونة< ؛ لأنها هي الأيدي المسلمة !

       بينما يفرض الحظر على ذلك ، يسمح للجمعيات الخيرية غير الإسلامية . المسيحية واليهودية والعلمانية لتعمل في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية في حريّة تامة ؛ حتى تتمكن – وفعلاً تتمكن – من التبشير بالمسيحية والدعوة للهيودية بكل حيلة ممكنة ؛ فكم من جمعيات مسيحية وغير مسيحية تعمل في كل من أفغانستان والعراق . وقد تواتر الأنباء الموثقة بتحركات الجمعيَّات والمنظمات الصهيونية في العراق بصفة خاصّة ، وعملها على تقتيل العلماء والمهندسين ، والأطباء والفنيين ، وعلماء الدين من السنة ، بغيةَ تفريغ العراق من النخبة المثقفة التي قد تتحرك فيما بعد انسحاب كابوس الاحتلال الأمريكي الصليبي الصهيوني من أجل النهوض به – العراق – نهضة ثقافية شاملة .

       9- يُحَرِّضُ ويقوم بالإساءة الشديدة إلى كل من نبيّ الإسلام محمد ، وكتابه وأحكامه وشريعته ، تستّرًا بمبدإ الحرية : حرية الرأي والتفكير . وكلما احتجّ المسلمون ضدّ ذلك وصفوه بضيق الأفق والهمجية والبداوة وعدم تحمّل الرأي المخالف وعدم التحضّر وما إلى ذلك من نعوت سيئة . ولكي يستاؤوا بصفة أكثر وأشدّ، يعيدون الإساءة والسخريّة ؛ حتى يستنفدوا قواهم الفكرية وكثيرًا من أوقاتهم وأموالهم في أمور جانبية ، ويتشاغلوا بها عن شؤونهم المصيرية الكثيرة .

       10- يدعو إلى تحرير المرأة . وتحريرُها معناه عند الغرب : السفور والاختلاط والتمرد على الرجال ، وعدم الطاعة للزوج ، ورفض تعدد الزوج للزوجات ، ومساواتها مع الرجل في كل من الإرث والشهادة ؛ بل تفضيلها على الرجال في كثير من المجالات ، ثم اجترارها تدريجيًّا إلى الزنا وممارسة العلاقة الجنسية مع غير زوجها، بحجة الحرية الشخصية المزعومة التي يجب – كما يزعم الغرب – أن تكون مصونة ومكفولة!.

       فاذا رفض المجتمعُ الإسلاميُّ ذلك كله منطلقًا من مقتضى دينه ، يسارع الغرب إلى وصفه بأنه يظلم المرأة حقَّها ، وأنه يسلبها حريتَها، وأن الحقوق الإنسانية لها غير مكفولة لديه ، وأنها تعاني اللاعدل وهضم الحقوق والحالةَ التي تدعو للرثاء .

       11- بجج واهية لاتستند إلى أساس يشنّ الغرب – وتقوده أمريكا – هجومًا عسكريًّا على الدول الإسلامية إحدى بعد الأخرى ؛ فلا يكتفي بتقتيل شعوبها المسلمة وإبادتها الجماعيّة، وإنما يزرعها بالويل والدمار ، ويغتصب نساءها، ويعتقل البقية الباقية من شبابها ، فيعذّبه في السجون السرّيّة وغير السريّة تعذيبًا تقشعر لهوله الجلود ، ولم يعرفه الإنسان في رحلته التأريخية الطويلة . والعذابُ يشمل كلاًّ من أساليب العقاب الجسدي والنفسي والعقدي . وما حديث >أبي غريب< و >غوانتانامو< ببعيد ، فتعذيباتهما لاتزال حديث المجالس والنوادي . ولايزال المطلقو السراح من غوانتانامو يروون فظائع لايكاد الإنسان يسمعها حتى يُغْشَى عليه من تصوّر الهول؛ حيث يتناول الجنود الأمريكان الموكلون بتعذيب المسجونين المسلمين المصاحفَ بالتبوّل والتمزيق . ويشتمون الإسلام ، ويسبّون النبيّ ، وعند حلق لحى الشباب المسلم يقولون له : إنّه يلتذّ بحلقها التذاذاً لا يلتذه بأيّ شيء ، ويطلقون إليهم بعض النساء العاريات المدمنات للفاحشة ، لكي يحرضنهم على ممارسة الفواحش، ويُنْصَبون على رؤوسهم ، وتُضَاء الأنوار الباهرة ليلاً ونهارًا في زنزاناتهم حتى لايناموا ويتأذّوا كثيرًا ، وتطلق عليهم الكلاب المروّضة المخيفة ، ويُرْغَمون على ممارسة الشذوذ الجنسيّ فيما بينهم كما يُمَارِس الجنود الأمريكان أنواعًا من الفواحش معهم ، وفي هذه الحالة تُلْتَقَطُ صورٌ لهم، ويزفها الجنودُ الأمريكانُ إلى أصدقائهم في أمريكا لكي يُسَرُّوا >بشجاعتهم< على تعذيب المسلمين >الإرهابيين<!.

       12- الكيل بمكيالين : كيل للمسلمين ، وكيل لغير المسلمين ولاسيما المسيحيين والصهاينة وهذا الكيل المزدوج يتجلّى في كل من المجالات ، ولاسيما فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطين ؛ فالدولة الصهيونية بآلاتها الحربيّة الجهنمية تبيد الفلسطينيين ؛ ولكنها بريئة ومظلومة وضحية في نظر الغرب وأمريكا بالذات . والفلسطينيون المُبَادُون المُعَذَّبون المُشَرَّدون قتلةٌ ظلمةٌ إرهابيون ؛ لأنهم يقذفون إلى إسرائيليين بعض الطوب والحجارة اللذين لايملكون سواهما وليس بوسعهم غيرهما !!. والقضيّة الفلسطينيّة لاتزال معقدة لاتعرف حلاًّ بسبب واحد وهو ازدواجيّة المعايير الغربية .

       13- صنعت أمريكا قصة تفجيرات 11/ سبتمبر 2001م ، لتستخذمها ذريعةً إلى التسارع إلى تنفيذ المخططات الرهيبة في العالمين العربي والإسلامي ، منطلقة من النظرية التي تؤمن بها وتتبعها . وهي أن الرعب هو خير الفصول لأن  يساعد على أن تتّسع مكانةُ الدولة واقتصادُها ومساحةُ نفوذها . وقد تضطر الامبراطورية للكذب المكشوف واختلاق المخاطر والمخاوف على الأمن القومي لتتوسّع . (انظر كتاب فؤاد زكريا >من الثروة إلى القوة< الفصل الأوّل) .

       وأكّدت مصادر عليمة عديدة أن التفجيرات كان من ورائها الصهاينة الذين خلّوا المبنى يوم الحادث قبل وقوعه؛ لأنهم كانوا على علم بذلك؛ حيث هم الذين نفّذوه . والدليلُ على ذلك كثير ومتنوع ، وأجلى الدلائل أن الدولة الصهيونية أمرت قواتها بعد ذلك فورًا بالقيام بمجزرة واسعة النطاق ضد الفلسطينيين ، وفي يوم التفجير وفي الرياض يوم 12 مايو 2003م ، وسارعت في اليوم الثاني بمجزرة ، وعزّزتها في اليوم التالي .

       14- وكلُّ شيء يفسد على المسلمين دينَهم، أو ثقافتَهم ، أوحضارتَهم ، أو يشوّه سمعتَهم ، أو يُقَبِّح تاريخَهم ، يسرّ الغربَ وأمريكا . وكلُّ شيء يسرّ المسلمين يؤذيهم ويجعلهم يتقلبون على أحرّ من الجمر. ولكي يفسدوا على المسلمين مقومات دينهم ومقدرات حياتهم يسلكون كلَّ سبيل يرونه ينفعهم. ولا يكتفون بالقول أو بالفعل ، وإنما يجمعون دائمًا بينهما؛ حتى تأتي الضربة قاصمةً وتأتي الرمية مميتةً.

       وقد صدق ربّنا تعالى إذ قال في كتابه الخالد:

       >وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُوْدُ ولاَ النَّصَارَىٰ حَتّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ< (البقرة/120) .

       وهكذا الباطل دائمًا يظلّ في صراع مع الحق بصور شتى وأساليب كثيرة ، حتى ينتصر الحق انتصارًا نهائيًّا . والمطلوبُ من أتباعه أن لايُعَالَ صبرُهم ، ولايستسلموا وينهزموا؛ فإنّ النصر لقادم صور شتى وأساليب كثيرة اتر الأب. ألا وإن النصر مع الصبر ، فيما يرويه عبدُ الله بن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي .

 

(تحريرًا في الساعة 5 من مساء يوم السبت : 25/ صفر 1428هـ = 17/ مارس 2007م)

نور عالم خليل الأميني

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الثاني 1428هـ = مايو  2007م ، العـدد : 4  ، السنـة : 31.